بالصور .. استمتع بأجمل 3 أيام في بروكسل

سفاري نت – متابعات

ليست بروكسل مجرد شرفة للمشروع الأوروبي وموئلٍ لمؤسساته التشريعية والإجرائية العتيدة، ولا مقرا للحلف العسكري الأقوى في التاريخ فحسب، ولا عاصمة البلد الهجين الذي وُلد من رحم الصراعات والحروب الجرمانية – الفرنسية والرغبة في إقامة عازل جغرافي وديمغرافي بين الجارتين اللدودتين. إنها، في ردهة مخيلتي، المدينة التي شهد فيها النورَ أعذبُ وجه في تاريخ السينما: أودري هيبورن، والمدينة التي رفعت الشوكولاته إلى مصاف الفنون الجميلة… وأهدت العالم رينيه ماغريت ومغامرات Tin Tin الخالدة. وهي التي لجأ إليها بودلير هرباً من عذاباته، وتسكع كارل ماركس في مقاهيها، وألهمت رودان أجمل منحوتاته، وعاد إليها فيكتور هوغو ليكمل رائعته «البؤساء» وفقا لموقع الشرق الاوسط.

بروكسل هي أيضاً عاصمة الأناقة الهادئة التي تطالعك في شوارعها العريقة ومتاجرها الراقية، ومحجة لعشاق الفن بمتاحفها التي يناهز عددها المائة، ومهرجان لذواقة المطاعم الرفيعة. وهي أيضاً بوتقة بشرية فريدة تنصهر فيها الأعراق وتتمازج الألسنة في فسيفساء قل نظيرها.

يُستحسن أن يكون الوصول إلى بروكسل عبر بوابة المحطة المركزية للقطارات التي تتوزع منها خطوط النقل العام في كل الاتجاهات، وتقع على مقربة من المحطة الأولى في جولتنا على العاصمة البلجيكية: غاليري سانت أوبير، أو الغاليري الملكية، أقدم الأسواق التجارية المسقوفة في أوروبا وأكثرها أناقة. بُنيت عام 1837 وكانت السوق المفضلة لأفراد العائلة المالكة حتى أواخر القرن الماضي، موزعة على ثلاثة أجنحة: جناح الملكة، وجناح الملك وجناح الأمراء، مرصوفة وراء واجهاتها الأنيقة أرقى متاجر الأزياء العالمية وأفخم المطاعم والمقاهي وأفخر محلات الشوكولاته، إلى جانب المكتبات العريقة ومخازن التحف القديمة والجواهر ودور السينما والمسارح وصالات العرض الفنية.

تُعتبر هذه الغاليري التي كانت أول رواق مسقوف في العالم بمقاييس الشوارع، القطب المركزي الراقي للحركة التجارية والاجتماعية في بروكسل، تتلاقى تحت قبته الزجاجية المرصعة بالرسوم الملونة المراكز الثقافية والمكاتب والمحلات التجارية بالمطاعم والمقاهي منذ أكثر من 150 عاماً. وكان الغرض من بنائها تخفيف زحمة السير من جهة، وإنشاء محلات تجارية يمكن للمتسوقين التجول فيها من غير التعرض للمطر والرياح القارصة التي يتميز بها طقس بروكسل. وكانت هذه الغاليري تُعرف في الماضي باسم «مظلة بروكسل»، وما زالت شاهداً على النهضة الاقتصادية والتجارية للمدينة قبل ظاهرة المخازن الكبرى.

المتاحف المحيطة بغاليري سانت أوبير تزخر بإغراءات الروائع التي تختزنها، لكن أدعوك إلى التجوال عليها بعد التمتع بمهابة الساحة الكبرى Grand – Place، أجمل الساحات في العالم برأي فيكتور هوغو، وقلب المدينة التاريخي منذ القرن الحادي عشر، تحيط بها مجموعة من المباني ذائعة الصيت بمعمارها الجميل يتوسطها مبنى البلدية ببرجه الشهير، والذي أعلنته منظمة اليونيسكو تراثاً عالميا في عام 1998. وفي أواخر القرن السابع عشر، عندما كانت المباني المحيطة بالساحة ما زالت من الخشب، تعرضت للحريق والدمار بكاملها تقريبا نتيجة للقصف المدفعي الفرنسي، لكن أعيد بناؤها بالحجر وفيها اليوم متحف المدينة الذي يستحق أن يكون مدخل الجولة على معالمها الفنية ومتاحفها الكثيرة.

المتاحف الملكية للفنون الجميلة تقع على مسافة قصيرة بين الساحة الكبرى والمحطة المركزية، وتضم كنوزاً من روائع الرسم لبوسك وروبنز وماغريت، الرائد السوريالي ابن المدينة، إضافة إلى مجموعات نفيسة من المنحوتات والتحف النادرة. متحف الآلات الموسيقية هو من المحطات الواجبة في بروكسل، فهو يضم سبعة آلاف قطعة ويعتبر الأهم في العالم، ولا يبعد سوى عشرات الأمتار عن متحف «المعلمين القدامى» الذي أسسه نابليون بونابارت عام 1801، ثم أصبح درة التراث الفني البلجيكي بعد الاستقلال عام 1830. وهو يضم مجموعة من أهم أعمال أساتذة الرسم الفلامنكيين بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر.

بعد الطواف على مطارح الفنون الكلاسيكية ومعالمها، عرج على متحف السيارات الذي يضم مجموعة نادرة من سيارات بنتلي وبوغاتي التي كان يستخدمها أفراد العائلة المالكة، قبل الدخول إلى عالم الأناقة والأزياء الذي تحرص عليه بروكسل حرص العين على البؤبؤ، ولا تميل إلى التباهي به على غرار «غريماتها» باريس ولندن وميلانو.

كثيرة هي الأسماء البلجيكية البارزة في عالم الأزياء، تميل إلى مخاطبة النُخب العارفة بين الزبائن بمنتجات حرفية عالية الجودة وتصاميم عابرة للمواسم، يستقر معظمها في شوارع هادئة بعيداً عن صخب الحياة اليومية، تفتح محترفاتها للابتكار والإبداع ومتاجرها الرصينة لأصحاب الأذواق الرفيعة. وقد استقر عدد كبير من هذه الدور خلال العقود الثلاثة الماضية في شارع Antoine Dansaert الراقد في أحد الأحياء الساكنة، فدبت فيه الحياة ونشط فيه الفنانون والمصممون الذين راحت تتهافت عليهم دور الأزياء العالمية الكبرى.

الرائدة في هذا المضمار كانت La Maison Delvaux التي تأسست عام 1829، أي قبل عام على قيام المملكة البلجيكية بعد استقلالها عن فرنسا، لتصبح اليوم أقدم دار في العالم لصناعة الحقائب والمنتجات الجلدية الفاخرة. في عام 1975 كانت بلجيكا تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث كثافة خطوط السكك الحديدية، عندما أدرك شارل دلفو، مؤسس الدار، أن ثورة في قطاع النقل والسياحة على الأبواب، وأن سيدات المجتمع المخملي لن تسافر إلا برفقة مصاغها وجواهرها الثمينة، فعمد إلى ابتكار أولى الحقائب الفاخرة المخصصة لهذا الغرض، وأصبح المورد الرسمي للعائلة المالكة منذ عام 1883.

وفي ثلاثينات القرن الماضي بدأت الدار بإصدار مجموعاتها السنوية وتنظيم عروضها على غرار Haute Couture، وراحت محترفاتها في بلجيكا وفرنسا تنتج القطع الجلدية النفيسة، تضفي عليها دائما مسحة أو لمعة مشتقة من التراث السوريالي المتجذر في الثقافة البلجيكية، ويعتبرها العارفون أعمالا فنية بكل معنى الكلمة لما يقتضيه إنتاجها من دراسة وتصميم وإتقان.

اسم آخر يلمع منذ سنوات في عالم الأزياء المقتصِرة على النخبة بين النخبة، هي Carine Gilson التي رفعت صناعة ملابس النساء الداخلية إلى أعلى مراتب الحرفية والإتقان منذ أن بدأت مغامرتها في بروكسل عام 1990، لتفتتح أول متجر لها في العاصمة الفرنسية عام 2004 بعد لندن وتايبي، وبعد أن كانت منتجاتها تباع في أفخم المخازن الكبرى من نيويورك إلى طوكيو. غيلسون حالة فريدة في عالم الملابس الداخلية، جمعت فيها شغفها الجارف بالفنون إلى حرصها على أدق التفاصيل وولعها بالأعمال الحرفية المتقنة. تستلهم من رسوم كليمت وماغريت وبيكاسو وتصاميم استعراضات الباليه الروسية على عهد القياصرة، تضعها بين أيدي أمهر الخياطين ينكبون بمنتهى الصبر على أفخر الحرائر تخرج من محترفاتهم قطعاً فنية مصطفاة في جمالها وإتقانها.

آخر الخطوات التي أقدمت عليها غيلسون لترسخ ريادتها وتفردها، كان افتتاح المقر الجديد لدارها في مبنى من تصميم مهندسَين ذائعي الصيت عالميا هما اللبنانيان ديفيد رفول ونيكولا مسلم اللذان تألقا في معرض ميلانو عام 2014 واختارتهما «نيويورك تايمز» بين أفضل ثلاثة مصممين في العالم.

وللجواهر هياكلها في بروكسل مثل Collectors Gallery في حي سابلون الذي يعلو إحدى الهضاب القليلة في الوسط التاريخي للمدينة، حيث تُعرض المجموعات النفيسة من التصاميم المستوحاة من الفن الجديد ومدرسة باوهاوس والمدرسة الاسكندنافية، وWouters & Hendrix الشهيرة بتصاميم جواهرها الغريبة والمذهلة، والتي يعرض بعضها في متاحف عالمية مثل المتروبوليتان في نيويورك وبول غيتي في البندقية.

منذ أكثر من 150 عاماً وتجارة الماس العالمية تدور حول مدينة Anvers البلجيكية، مما جعل بروكسل تستقطب كل الدور العالمية الكبرى في مجال الجواهر. من بينها دار بوغوسيان التي أسسها الأخوان اللبنانيان جان وألبير المتحدران من أصول أرمينية، والتي حققت نجاحاً كبيراً عندما انتقلت إلى بروكسل، فعمدا في عام 1922 إلى إنشاء مؤسسة تهدف إلى المساهمة في التنمية والتعليم لتحسين مستوى حياة الشباب في لبنان وأرمينيا. وقد انتقلت المؤسسة منذ ثماني سنوات إلى مقرها الجديد في أحد أشهر مباني بروكسل Villa Empain التي تعتبر درة التراث المعماري من طراز Art Deco، وأصبحت مركزا للحوار بين الثقافات الشرقية والغربية، تنظم فيها المعارض والأنشطة الفنية على مدار السنة، وتمول مشاريع اجتماعية وتربوية وفنية في لبنان وبلجيكا وأرمينيا. وسبق لهذا المبنى الذي تم ترميمه وتجديده مؤخرا، أن كان مقرا لقيادة القوات الحليفة إبان الحرب العالمية الثانية، ثم مقرا لسفارة الاتحاد السوفياتي.

– مطاعم وفنادق من الدرجة الأولى

> لكن الغذاء في بروكسل ليس مقصوراً على إشباع التواقة إلى الفنون والباحثين عن مواطن التفرد والجمال، فهي أيضاً عاصمة المأكولات في أوروبا تكثر فيها المطاعم الفخمة والمتنوعة التي يقصدها الذواقون من أنحاء الجوار الأوروبي.

Le Bistro هو اقتراحنا الأول لغداء بلجيكي بامتياز في أجواء فرنسية صرفة، يقع في جادة واترلو الشهيرة، يتردد عليه عشاق المأكولات المحلية التي قوامها اللحوم والأسماك على أنواعها. يستحسن الحجز فيه، خاصة خلال نهاية الأسبوع.

وللمدمنين على أطايب المطبخ الإيطالي، مثل كاتب هذه السطور، عليكم بمطعم Bocconi الذي يقع في فندق آميغو ويكاد ينسيك بانك لست في الربوع الإيطالية التي يستورد منها معظم المواد والمنتجات التي يستخدمها لتحضير أشهى الأطباق التي يتهافت عليها ذواقة المدينة.

وإلى من يحن للمأكولات الشرقية، ندعوه إلى زيارة المطعم اللبناني L’express في شارع Chapeliers، والذي يقدم أشهى الساندويتشات للراغبين في وجبة سريعة، إضافة إلى لائحة مختارة من لذائذ وطن الأرز. أما اقتراحنا لعشاء رفيع المستوى، بكل ما للعبارة من معنى، فهو مطعم Villa in the Sky الذي يقع في الطابق الخامس والعشرين من أعلى برج في جادة لويز الأنيقة، يطل من ارتفاع 120 متراً على المدينة المترامية بين الأنوار. أطباقه تُحضر بعناية الأعمال الفنية التي تكاد تضاهيها بأسعارها. مسك الختام لجولة أنيقة على مدينة تخفي من الكنوز والمفاجآت السارة أكثر مما تكشف لزوارها، زيارة إلى فندق Amigo الذي يقع في مبنى سجن محاكم التفتيش في القرن الخامس عشر وهو اليوم من أفخم الفنادق الأوروبية. كما يعتبر الأغلى في بروكسل على الإطلاق. فهو مقر المشاهير والرؤساء كلما أتوا لعقد اجتماعات أو إبرام عقود أو حضور مهرجانات. جولة سريعة في ردهته وقاعة استقباله، تؤكد تاريخه الطويل في مجال الضيافة. فصور المشاهير ممن نزلوا فيه وبصموا إعجابهم على هذه الصور تكاد تغطي الجدران بالكامل. موقعه الاستراتيجي وسط المدينة على بعد خطوات من ساحتها وكاتدرائيتها نقطة جذب أخرى في صالحه.

فندق Metropole اقتراح آخر لا يقل أهمية، لما فيه من عراقة حافلة بمحطات مشهودة في تاريخ المدينة. يعود بناؤه إلى أواخر القرن التاسع عشر على الطراز الكلاسيكي. يقع في وسط المدينة على بعد أمتار من الساحة الكبرى، يتميز بغرفه الفسيحة والمقهى الجميل من طراز Belle Epoque.

فندق آخر في وسط المدينة لرجال الأعمال والعائلات هو فندق Novotel الذي يقع في شارع La Vierge Noire المشهور بمطاعم السمك والمأكولات البحرية. أو فندق Radisson التابع للسلسلة الاسكندينافية المعروفة، يرتاده رجال الأعمال والمندوبون الذين يقصدون بروكسل للمشاركة في أنشطة وندوات المؤسسات الأوروبية والبرلمان الأوروبي.

وإذا صادف ونسيت شراء الشوكولاته التي تعتبر تراثاً وطنياً في بلجيكا، نَمْ مطمئن البال لأنك ستجد في مطار بروكسل أكبر سوق للشوكولاته في العالم.

عن فريق التحرير

شاهد أيضاً

قائمة أفضل 100 في العالم من بينهم 4 شواطئ عربية

سفاري نت – متابعات تضمنت معايير القائمة الجمال الكلاسيكي، التنوع والإنصاف والشمول، أسلوب الحياة، الإحساس …