فهد الأحمدي

يقول الإمام الشافعي في قصيدته المعروفة:

تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلى

وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ

تَفَـرُّيجُ هَــمٍ وَاِكتِســـــــــابُ مَعيشَـةٍ

وَعـِلمٌ وَآدابٌ وَصُحـبَةُ مـاجِــــدِ

ورغـم أن كل كلمة في هذين البيتين تستحق مقالاً خاصاً بها، سأتجاوز اليوم الفائدة الأخيرة “صحبة ماجد” وأدعوك لتجربة السفر دون أصحاب..

أنا شخصياً زرت ستين دولة خلال ثلاثين عاماً (ونشرت صوري وتجاربي في كتاب خاص) ولم أجد أفضل من السفر وحيداً بغرض الاستكشاف والمقارنة بين ثقافات العالم المختلفة.. صحيح أنني أسافر أيضاً مع عائلتي ولكنني أتحول ــ في هذه الحالة ــ إلى مجرد “مشرف” في رحلة مدرسية صاخبة..

حين أسافر لوحدي أكون أكثر جراءة وحرية ــ وأضيع فعلياً ومعنوياً في البلدان البعيدة.. فـحين تسافر وحيداً تملك فرصة الاندماج في حياة الناس والتعرف على ثقافات العالم، أما حين تسافر مع مجموعة تحمل من خلالهم ثقافتك ولغتك وبيئتك المحلية.. حين تسكن في فندق فخـم (يشبه أي فندق في العالم) تحبس نفسك في قفص ذهبي وينطبق عليك المثل القائل “ذهب إلى فرنسا ولم ير الفرنسيين”.. وحين تفعل ذلك مع أصدقائك ــ لا ينطبق عليك المثل الأخير فقط ــ بل وتصبح كمن ذهب إلى فرنسا فـلم يرها ولم يـر الفرنسيين أصلاً..

هناك رحالة كويتي جميل يدعى عبدالكريم الشطي قال في لقاء تلفزيوني:

“البعض يريد أن يحمل وطنه وعاداته ولغته معه.. وبالنسبة لي لا أحصي ما أضافه إلي السفر وحيداً من الخبرات والتجارب والعلاقات.. فحتى لو كانت مهاراتك الاجتماعية ضعيفة فإن مجرد وجودك وحيداً يجعلك نقطة جذب بحيث ستجد من يأتي ويتعرف عليك”..

شعرت أنه يعبر عما يجول بخاطري وجربته شخصياً.. أكد فكرتي حول ضرورة التعرف على أشخاص من أهل البلد يرافقونك ويسعدون بصحبتك.. قلت في كتابي السابق (حول العالم في ثمانين مقالاً): “ومن أسرار السفر التي تعلمتها متأخراً ضرورة التعرف على مواطنين من أهل البلد قبل الوصول إليه من خلال البحث في الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي علماً أن الجهل بأي لغة لم يعد عائقاً بفضل برامج الترجمة المتوفرة هذه الأيام…”

لا أطالبك بعدم السفر مع عائلتك وأصدقائك، ولكنني أود تنبيهك فقط إلى وجـه مختلف لن تكتشفه قبل أن تسافر وحيداً.. ستحصل على جملة من الفوائد ليس أقلها اكتشاف نفسك وقدراتك ومهاراتك في التصرف.. ستغادر منطقة الأمان التي تركن إليها في وطنك وتصبح أكثر تنبهاً للتجارب التي يمر بها الغريب.. ولأنك تشعر أحياناً بالوحدة ــ وهذا أمر طبيعي ــ تصبح أكثر جراءة على الحديث مع الأغراب والتعرف على أصدقاء مختلفين.. ولأن عقولنا لا تتوقف عن التفكير (حتى أثناء النوم) ستجبرك الوحدة على التأمل ومراجعة الذات حتى لو لم تقصد ذلك.. وحين تعود لوطنك في النهاية ستكون أكثر ثـقة بنفسك وإدراكاً لقدراتك وتقديراً لبلدك – بل وتكتشف ثقافـتك المحلية بفضل مقارنتها بغيرها..

نقلاً عن صحيفة الرياض